كيفية التحكم في مرض السكري: خطة عملية لحياة صحية ونشيطة
يُعدّ مرض السكري واحدًا من أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا حول العالم، ويؤثر بشكل مباشر على قدرة الجسم على تنظيم مستويات السكر في الدم، واستغلال الطاقة من الغذاء. السيطرة على السكري ليست مجرد تناول الأدوية، بل تتطلب فهمًا عميقًا لدور البنكرياس والأنسولين، إضافةً إلى الالتزام بنمط حياة صحي يشمل التغذية المتوازنة، والنشاط البدني، والمتابعة الطبية المنتظمة. لذلك، يُصبح التعايش مع مرض السكري رحلة يومية تحتاج إلى وعي وانضباط؛ فالمريض الذي يلتزم بالخطة العلاجية باستمرار يمكنه حماية نفسه من المضاعفات الخطيرة، والحفاظ على جودة حياته. ومن هنا تبرز أهمية إدارة مرض السكري، ليس فقط كخطة علاجية، بل كأسلوب حياة متكامل يُمكّن الشخص من مواجهة تحديات المرض بثقة وإيجابية.
ما هو مرض السكري؟
يُعدّ السكري أحد الاضطرابات المزمنة التي تُصيب البنكرياس، وهو عضو يقع خلف المعدة. في الوضع الطبيعي، يقوم البنكرياس بإفراز مادة مهمة تُسمّى الأنسولين، ودورها الأساسي مساعدة الجسم على الاستفادة من السكريات والدهون الموجودة في الطعام كمصدر للطاقة. لكن ماذا يحدث عندما يختل هذا النظام؟
كيف يتغير دور البنكرياس عند الإصابة بالسكري؟
عند الإصابة بالسكري، يصبح البنكرياس في إحدى الحالات التالية:
قد يتوقف تمامًا عن إفراز الأنسولين.
أو يُفرزه بكميات محدودة لا تكفي حاجة الجسم.
أو يُنتج أنسولينًا لا يعمل بكفاءة كما ينبغي.
يمكننا تشبيه الأنسولين بالمفتاح الذي يفتح باب الخلية لتسمح بدخول السكر واستخدامه كوقود. فإذا فُقد المفتاح أو أصبح تالفًا، بقي السكر عالقًا في الدم، مسببًا ارتفاع مستوياته وحدوث مضاعفات.
انتشار السكري حول العالم
لا يقتصر السكري على منطقة معينة، بل يتفشى في العديد من الدول. ففي الإمارات العربية المتحدة مثلًا، يُعتبر من أكثر الأمراض المزمنة شيوعًا بين السكان، وهو ما يعكس حجم التحدي الصحي الذي يشكله.
التحكم في السكري: أكثر من مجرد دواء
قد يظن البعض أن السيطرة على السكري تعني فقط تناول الأدوية، لكن الحقيقة أوسع من ذلك بكثير. فالمريض بحاجة إلى خطة شاملة للرعاية الذاتية يضعها وينفذها بمساعدة فريق من المختصين مثل طبيب الأسرة، وأخصائي التغذية، والمدرب الصحي.
هذه الخطة تتضمن:
فهم أساسيات السكري وكيفية التعامل معه يوميًا.
اتباع نظام غذائي متوازن يوصي به أخصائي التغذية.
جعل النشاط البدني عادة يومية، مثل المشي نصف ساعة بعد الوجبات.
الالتزام بالعلاج الدوائي كما وصفه الطبيب دون إهمال.
مراقبة مستويات السكر في الدم بشكل منتظم.
التواصل المستمر مع فريق الرعاية الصحية.
التعامل مع المرض بإيجابية للحد من التوتر والضغط النفسي.
هل يمكن الشفاء من السكري؟
الجواب هو: لا يوجد شفاء نهائي حتى الآن، لكن يمكن التعايش معه بصورة طبيعية إذا التزم المريض بالخطة العلاجية. هذا الالتزام يساعد على الوقاية من مضاعفات خطيرة مثل الفشل الكلوي، أو فقدان البصر، أو الإصابة بجلطات القلب.
المستويات المستهدفة لسكر الدم
لضمان التحكم الأمثل بالسكري، يوصي الأطباء بالمحافظة على القيم التالية:
صائمًا: بين 80 – 120 ملجم.
بعد ساعتين من الوجبة: أقل من 180 ملجم.
إن استمرار تجاوز هذه القيم يشكل خطرًا كبيرًا على صحة المريض، لأنه يزيد من احتمالية ظهور الأعراض الجانبية على المدى الطويل.
مراعاة الحالات الخاصة
من المهم أن نتذكر أن المستويات المستهدفة قد تختلف من شخص لآخر. فمثلًا:
المرأة الحامل المصابة بسكري الحمل تحتاج إلى أهداف أكثر صرامة.
كبار السن قد تكون لهم أهداف أكثر مرونة لتجنب هبوط السكر.
الأطفال دون سن البلوغ لهم معايير خاصة تناسب أعمارهم.
أهمية الفحص الدوري
يبقى قياس السكر في الدم حجر الأساس في خطة العلاج. فالمتابعة المنتظمة وفقًا لتوجيهات الطبيب لا تساعد فقط على ضبط الأرقام، بل تمنح المريض شعورًا بالاطمئنان والسيطرة على وضعه الصحي.
نصائح للتعايش مع مرض السكري
يُعتبر التعايش مع السكري رحلة تحتاج إلى وعي وانضباط أكثر من كونها مجرد التزام دوائي. فالمريض الذي يُدير صحته بذكاء يستطيع أن يحافظ على جودة حياته، ويمنع الكثير من المضاعفات. فكيف يمكن تحقيق ذلك؟ لنستعرض معًا أهم الإرشادات العملية.
1. المتابعة الطبية والالتزام بالعلاج
الخطوة الأولى تبدأ بالانضباط. تناول الأدوية والأنسولين في المواعيد والجرعات الصحيحة أمر لا يقبل التهاون. على سبيل المثال، استخدام جهاز قياس السكر المنزلي بشكل يومي يساعد المريض على مراقبة مستويات الجلوكوز باستمرار. كما أن زيارة الطبيب كل 3–6 أشهر تُمكّنه من تعديل الخطة العلاجية عند الحاجة.
ومن الضروري كذلك إجراء فحوص سنوية للكشف المبكر عن المضاعفات المحتملة مثل مشاكل الكلى أو اعتلال الشبكية. ولا تنسَ أن الاحتفاظ بسجل لنتائج هذه الفحوص سيجعل حوارك مع الطبيب أكثر وضوحًا وفاعلية.
2. فقدان الوزن
هل تعلم أن خسارة الوزن الزائد بنسبة بسيطة تتراوح بين 5–7% يمكن أن تقلل من خطر مضاعفات السكري بما يقارب 58%؟ هذا الرقم بحد ذاته كافٍ ليكون دافعًا قويًا لاتباع برنامج صحي. تخيّل مثلًا أنك تخفف بعض الكيلوغرامات فتجد أن مستوى السكر أصبح أكثر استقرارًا، وأن قلبك ينبض بخفة أكبر.
3. النشاط البدني
الرياضة ليست رفاهية بل هي علاج وقائي. ممارسة نصف ساعة يوميًا من نشاط بسيط مثل المشي السريع أو السباحة تُحدث فارقًا كبيرًا. فالتمارين تُحسّن من استجابة الخلايا للأنسولين، وتمنح الجسم طاقة متجددة. والأجمل أنها تُساعد على التخلص من السعرات الحرارية الزائدة، مما يخفف الوزن ويحمي القلب من الإرهاق.
4. التغذية الصحية
الغذاء هو الركيزة الأساسية في رحلة المريض مع السكري. المطلوب ليس الحرمان التام، بل الاختيار الذكي. على سبيل المثال، يمكن استبدال الحلويات الغنية بالسكريات البسيطة بخبز أسمر أو حبوب كاملة تعطي طاقة تدريجية. كما أن استخدام المحليات الصناعية منخفضة السعرات (مثل السكرالوز) يُعتبر خيارًا مناسبًا.
ولا ننسى أهمية شرب الماء، والتحكم في حجم الوجبات، والابتعاد عن الدهون الضارة والمقليات. فطبق صغير متوازن قد يمدك بما تحتاجه أكثر من وجبة دسمة تُرهق البنكرياس.
5. الامتناع عن التدخين
التدخين مع السكري يُشكل وصفة خطيرة لأمراض القلب والكلى والأعصاب. الإقلاع عنه قد يبدو صعبًا، لكن تخيّل دورة دموية أفضل، وتنفسًا أسهل، ونشاطًا جسديًا أكثر سلاسة. الجمع بين الدعم النفسي واستخدام بدائل النيكوتين أو العلاج الدوائي يجعل المهمة أقل صعوبة وأكثر فاعلية.
6. العناية بالقدمين
الأقدام مرآة صحة مريض السكري. غسلها يوميًا، وتجفيفها جيدًا، وفحصها بحثًا عن جروح أو تشققات خطوات بسيطة لكنها تُنقذ من مضاعفات خطيرة مثل القرح أو البتر. ولا يُنصح بالمشي حافيًا، بل بارتداء أحذية مريحة وطبية. وإذا ظهر جرح أو التهاب، فزيارة الطبيب فورًا ضرورة لا تحتمل التأجيل.
7. التحكم في ضغط الدم والكوليسترول
عندما يجتمع السكري مع ارتفاع الضغط والكوليسترول، يصبح خطر الجلطات مضاعفًا. لهذا فإن النظام الغذائي السليم، وتقليل الملح والدهون، وممارسة الرياضة بانتظام تشكّل خط الدفاع الأول. وفي بعض الحالات، قد تكون الأدوية جزءًا أساسيًا من السيطرة.
8. الفحوص الطبية المنتظمة
الوقاية تبدأ بالفحص. من المهم إجراء فحص دوري للعينين والأسنان، حيث يحتاج المريض لمراجعة طبيب الأسنان مرتين سنويًا. كما يجب متابعة ضغط الدم والوزن بشكل متكرر. ولا يُغفل كذلك تحليل الدهون والكوليسترول مرة كل عام.
9. التطعيمات
التطعيمات حائط صد فعال ضد بعض العدوى. لقاح الإنفلونزا السنوي، ولقاح الالتهاب الرئوي، بالإضافة إلى لقاح الكزاز كل عشر سنوات، أمثلة واضحة على أهمية الوقاية. أما لقاح التهاب الكبد B فيوصى به لمن هم دون الستين أو حسب توجيه الطبيب.
10. العناية بالصحة العامة
الحياة الصحية لا تتوقف عند ضبط السكر. تنظيف الأسنان مرتين يوميًا، والعناية بالبشرة بترطيبها لمنع الالتهابات، وحتى التفكير في تناول الأسبرين اليومي عند وجود مخاطر قلبية إضافية (بعد استشارة الطبيب) كلها خطوات تُعزز الصحة العامة. كما أن الاعتدال في شرب الكحوليات يحمي الجسم من أضرار إضافية.
11. التعامل مع التوتر والاكتئاب
الجانب النفسي لا يقل أهمية عن الجسدي. فالتوتر المستمر يرفع مستويات السكر، بينما يساعد الاسترخاء والتأمل على ضبطها. ممارسة هواية محببة، والانضمام إلى مجموعة دعم، أو حتى قضاء وقت ممتع مع الأصدقاء يمكن أن يخفف كثيرًا من الضغوط. النوم الكافي – حوالي 7 إلى 8 ساعات – يُعيد للجسم توازنه ويمنحه طاقة متجددة.
ضرورة ممارسة الرياضة لمريض السكري
الرياضة هنا ليست مجرد توصية إضافية، بل هي صمام أمان. فهي تحافظ على القلب والأوعية الدموية، وتقلل بشكل كبير من احتمالية الإصابة بأمراض الشرايين. كما أنها وسيلة فعالة لمساعدة الخلايا على الاستجابة للأنسولين، وبالتالي منع تراكم السكر في الدم.
ومن الفوائد الأخرى: حرق السعرات، وتخفيف الوزن، وزيادة كفاءة القلب في ضخ الدم، مما يقلل من الشعور بالإرهاق.
لكن، ماذا لو شعر المريض أثناء التمرين بأعراض مثل: ألم في الصدر أو الرقبة، دوخة، ضيق في التنفس، أو تغيّر في قوة الإبصار؟ هنا لا مجال للانتظار، بل يجب مراجعة الطبيب فورًا لتجنّب أي خطر محتمل.